عصر الأمرء
( 324ا - 334هـ/ 936 - 946م )
لقد ازداد ضعف الخليفة العباسى منذ أوائل القرن الرابع الهجرى
لازدياد شوكة القواد الأتراك،وتفاقم خطرالدول المستقلة،
فقد ازدادت شوكة"على بن بويه"في فارس،
وأصبحت الرى وأصبهان وبلاد الجبل في يد أخيه الحسن بن بويه،
كما استقل بنو حمدان بالموصل،ودياربكر،وديارربيعة ومضر،
أما مصرفقد استقل بها محمد بن طغج الإخشيد،
واستقل بخراسان نصربن أحمد الساماني،
ولم تكن الحال في المغرب أحسن منها في المشرق،
فقد أعلن عبد الرحمن الثالث الأموى بالأندلس نفسه خليفة،
وتلقب بلقب أميرالمؤمنين الناصرلدين الله،
وأصبح في العالم الإسلامى في ذلك الوقت ثلاث خلافات.
خلافة القاهر
(320 - 322هـ/ 932 - 934م)
ولم يكن حظ القاهرأقل سوءًا ممن سبقه من الخلفاء العباسيين،
فقد انتشرت في عهده الفتن الداخلية،وتمرد عليه جنده،واتفق رجال دولته،
وعلى رأسهم قائده مؤنس ووزيره"ابن مقلة"على خلعه،
فسالت عيناه على خده،ثم حبس،
وقد ساءت حالته حتى إنه خرج يومًا يطلب الصدقة بجامع المنصور،
فأعطاه بعض الهاشميين خمسمائة درهم،
وأمربه فحبس وظل في الحبس حتى مات في خلافة الطائع
سنة 339هـ/ 951م.
خلافة الراضى
(322 - 329هـ/ 934 - 941م)
وجد نفسه- إزاء ضعف الوزراء وازدياد نفوذ كبارالقواد،
وتدخلهم في أمورالدولة -مضطرّا إلى استمالة أحد هؤلاء الأمراء،
وتسليم مقاليد الحكم إليه،ولم يعد للوزراء عمل يقومون به،
وأصبح هذا الأمير وكاتبه هما اللذان ينظران في الأمر كله،
وهذا الأميرهو أميرالأمراء،
وأصبحت الخلافة في عهد الراضى من الضعف بحيث لم يعد الخليفة
قادرًا على دفع أرزاق الجند،أويحصل على ما يكفيه
حتى مات سنة 329هـ/ 491م.
خلافة المتقى
(329-333هـ/ 941 -945م)
ويأتى الخليفة المتقى؛ليستنجد بالحمدانيين الذين لم يلبثوا أن دخلوا بغداد،
وتقلدوا إمرة الأمراء سنة(330-331هـ/942- 943م)
ولكن"توزون"التركى يطردهم سنة(331هـ/ 943م)
ويتقلد هو أعباء هذا المنصب الخطير،ويا ليته أبقى على الخليفة،
لكنه لم يلبث أن قبض على الخليفة"المتقى"وفقأ عينيه وولى
"المستكفى بالله".
خلافة المستكفى
( 333 - 334هـ/ 945 - 946م )
ويضيق المستكفى ذرعًا بتوزون،ويستنجد ببنى بويه لوضع حد لهذه المنازعات
التى لم تنتهِ بين هؤلاء الأمراء للاستئثار بالسلطة،وتولى إمرة الأمراء،
وانتزاع النفوذ والسلطان من الخليفة الذى لم يعد له من الأمر شىء
سوى السلطة الدينية؛حيث يذكراسمه فى الخطبة،ونقشه على النقود،
والتسمى بأمير المؤمنين،كل ذلك ليحتفظ هؤلاء الأمراء بمراكزهم أمام الجمهور.
وانطوت صفحة من تاريخ الدولة العباسية،ومر هذا العصربطيئًا متثاقلا.
لقد ذهب زمن أولئك الخلفاء الأقوياء كأبى جعفروالهادى والرشيد والمأمون
والمعتصم، لقد كانوا مسيطرين على الدولة،مسيرين لشئونها.
ورحم الله أيامهم وعهدهم،لقد ذهبوا وتركوا نماذج هزيلة ضعيفة
لا تستطيع السيطرة على شئون الدولة،
بل إن منهم من لم يكن نفوذه يتعدى حدود العاصمة،
بل كان لا يملك حق التصرف حتى فى قصره.
يُتبع ،،،، __________________
قال تعالى:{كَلا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ*وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ*وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ*وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ*إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ}
[سورة القيامة 26-30]
والأن نسلك منحنى أخر من عصور الدولة العباسية
العصر العباسى الثالث
عصر نفوذ البويهيين
(334 - 447هـ/ 946 - 1056م)
ها هى ذى الخلافة الإسلامية تزداد ضعفًا،فقد ظل الخليفة مجرد اسم فقط،
ولا يملك من أمر نفسه شيئًا،فقد استطاع البويهيون أن يتحكموا فى الخليفة،
ويسيطرون على الدولة،ويديرونها بأنفسهم،
ففى أيام"معز الدولة"جردوا الخليفة من اختصاصاته،
فلم يبقَ له وزير وإن كان له كاتب يدير أملاكه فحسب!!
وصارت الوزارة لمعزالدولة يستوزرلنفسه من يريد!!
أصل البويهيين
وكان من أهم أسباب ضعف الخلافة وغروب شمسها،
أن البويهيين(الديلم) كانوا من المغالين فى التشيع،
وهم يعتقدون أن العباسيين قد أخذوا الخلافة واغتصبوها من مستحقيها،
لذلك تمردوا على الخليفة،والخلافة بصفة عامة،
ولم يطيعوها ولم يقدروها قدرها.
وتطلع بنو بويه إلى السيطرة على العراق نفسها-مقر الخلافة-
إن أصلهم يرجع فيما يقال إلى ملوك ساسان الفارسيين الذين شُرِّدوا،
فاتخذوا من إقليم الديلم الواقع فى المنطقة الجبلية جنوبى بحر قزوين
ملجأ لهم ومقرّا.
وتزعَّم أبو شجاع بويه قبائلَ البويهيين-فى خلافة الراضى العباسى
سنة (322 - 329هـ)-،
والذى ينتهى نسبه إلى الملك الفارسى"يزد جرد"وقد أنجب ثلاثة من الذكور،
هم :عماد الدولة أبوالحسن علي،
وركن الدولة أبو على الحسن،
ومعزالدولة أبوالحسين أحمد.
قوة البويهيين
وكانت بداية الدولة البويهية باستيلاء عماد الدولة أبى الحسن علىِّ بن بويه
على أرجان وغيرها،وقد دخل عماد الدولة شيرازسنة 322هـ ،
وجعلها عاصمة لدولته الجديدة،كما دخل فارس،وأرسل إلى الخليفة
الراضى أنه على الطاعة.
واستولى معزالدولة أبو الحسين أحمد بن بويه سنة 326هـ على الأهواز،
(وهى الآن خوزستان)وكاتبه بعض قواد الدولة العباسية،
وزينوا له التوجه نحو بغداد،وفى سنة 334هـ/ 946م،
اتجه أحمد بن بويه نحو بغداد بقوة حربية،فلم تستطع حاميتها التركية مقاومته،
وفرت إلى الموصل، ودخل بغداد فافتتحها فى سهولة ويسر.
ولقب الخليفة المستكفى أبا الحسن أحمد بن بويه بمعز الدولة،
ولقّب أخاه عليّا عماد الدولة، ولَقب أخاه الحسن ركن الدولة،
وأمر أن تكتب ألقابهم على الدراهم والدنانير،ولكن أحمد بن بويه
لم يكتف بهذا اللقب الذى لا يزيد على كونه"أمير الأمراء".
وأصر على ذكر اسمه مع اسم الخليفة فى خطبة الجمعة،
وأن يُسَكّ اسمه على العملة مع الخليفة،ولقد بلغ"معز الدولة"مكانة عالية ؛
فكان الحاكم الفعلى في بغداد مع إبقائه على الخليفة،
غير أنه مالبث أن قبض عليه، وفقأ عينيه سنة 334هـ/ 946م. "
خلافة المطيع
(334-363هـ/946- 976م)
وأصبح المطيع هو الخليفة بعد المستكفى،وكان مطيعًا بحق،
وإن شئت فقل:كان اسمًا على مُسَمّى، جديرًا باسمه،
فلقد كان أداة طيعة في أيدى البويهيين،يأمرونه فيطيع،
ويحقق لهم كل ما يريدونه منه،ثم استولى"معز الدولة"على البصرة
336هـ/ 948م،كما استولى ركن الدولة على الرى 335هـ
وطبرستان وجرجان 336هـ/ 948م.
وقد بلغ البويهيون قوتهم أيام عضد الدولة بن بويه الذى تولى بعهد من أبيه
عماد الدولة الذى توفى سنة 336هـ/ 948م،
واتخذ لنفسه لقب"شاهنشاه"(أى ملك الملوك)،
لقد كان بنو بويه يكتفون بألقاب التبجيل والتفخيم مثل:"عماد الدولة"،
"وركن الدولة"،أما"عضد الدولة"فقد فاق أسلافه قوة وعظمة.
لقد تزوج من ابنة الخليفة الطائع،وكان ذا جبروت شديد ونفوذ واسع،
واستطاع"عضد الدولة"أن يضم إلى سلطانه مختلف الدويلات الصغيرة
المجاورة التى ظهرت على عهده فى فارس والعراق،
وفى عام 369هـ عمَّرعضد الدولة بغداد بعد خرابها من توالى الفتن،
وأعاد عمارتها وجدد أسواقها،وأجرى الأرزاق على الأئمة والخطباء والمؤذنين.
ورغم بقاء بَلاطه فى شيرازفإنه اهتم ببغداد،ولكنه اتخذ هو وخلفاؤه قصورًا
لهم فى العاصمة العباسية القديمة،وغدت هذه القصور تسمى"دار الخلافة".
إظهار المذهب الشيعى
وكان من الطبيعى أن يتعمد البويهيون-وهم من غلاة الشيعة-
إظهار مذهبهم ونشره بما ترتب على ذلك من معاداة لأهل السنة،
وتجاوز للحدود والحقوق.
ولقد أثار ذلك أهل السنة،ونشأ عن ذلك حدوث فتن كثيرة،
وكثيرًا ما كان الشيعة يثيرون أهل السنة بلعنهم الصحابة
-رضوان الله عليهم-،
وكتابة هذا على أبواب المساجد،ولم يكن هذا التطاول مقصورًا على بغداد
وحدها،بل تجاوزها إلى كل بلد حَلَّ بها البويهيون،
وفى كل بلد تخضع للشيعة،وقد وقعت فتنة بين أهل"أصبهان"و"قم"
بسبب سَبِّ أهل"قم"الصحابة -رضوان الله عليهم- مما جعل أهل أصبهان يثورون عليهم،ويقتلون منهم خلقًا كثيرًا،وينهبون أموال التجار؛مما أثِارغضب ركن الدولة "الحسن البويهي"،فراح يصادر أموال أهل أصبهان،وينتقم لأهل"قم"منهم،
وراحت نيران هذه الفتنة تشتعل فى كل مكان،فى الكرخ، وفى بغداد،
وفى البصرة، فقُتل فى ذلك خلق كثير.
هؤلاء هم البويهيون،وهذا هو مذهبهم،ومنذ دخلوا بغداد لم نجد لهم موقفًا
مشرفًا تجاه الروم،ففى عهدهم لم يحدث أن خرج جيش غاز كما كان يحدث
فى عهد مَنْ قبلهم،وشَنَّ الروم غارات كثيرة على الثغوروالشواطئ ولكن لا
مدافع!! ولقد أدت هذه الغارات إلى تخريب المدن والمساجد وقتل الكثيرين من
الرجال
والنساء والأطفال؛ بينما كانت الدولة البويهية فى سبات عميق.
وتحرك الفقهاء سنة 362هـ/ 973م،وراحوا يُحرِّضون عزالدولة بختيار
بن أحمد بن بويه على غزو الروم،وتحرك الجيش إلى بلاد الروم
لمواجهتهم،وقتل منهم عددًا كثيرًا،وبعث برءوسهم إلى بغداد،
وقد كان"عز الدولة بختيار"شريرًا فاسدًا،وكثرت فى عهده الفتن
والاضطرابات، وإراقة الدماء.
وهنا سكنت أنفس الناس،وكأنما كانت هذه المعركة ذرّا للرماد
فى أعين أهل السنة من المسلمين.
انتشار الأوبئة والفتن
لقد سكتوا على مضض بعدما رأوا بأعينهم نشاط الروم خلال سنوات
نفوذ البويهيين ببغداد والعراق يقابل بصمت رهيب،التزم به البويهيون
فى هذا الصراع وهم الذين يسيطرون على الدولة ويتحكمون فيها!
فى وقت ظهر فيه اللصوص ومارسوا السلب والنهب بصورة علنية،
بينما انتشرت الأوبئة، واشتد الغلاء،
فى الوقت الذى اهتم فيه البويهيون المنحرفون بالاحتفال بعيد الغدير
(غدير خم) الذى يزعمون أن الرسول-صلى الله عليه وسلم-عهد عنده
بالخلافة إلى على بن أبى طالب،وهو بدعة منكرة باطلة،
وكذلك دفعوا العوام للطم الخدود والنواح والعويل فى العاشرمن المحرم
حزنًا على استشهاد الحسين بن علىّ وهو ما لا يرضاه الشرع،
ولم تلبث الدولة البويهية أن أخذت فى الانهيار بسبب النزاع على السلطة
بين الأخوين"بهاء الدولة"،و"شرف الدولة"،
وامتد هذا النزاع إلى سائرأفراد الأسرة،
مما عجّل بالقضاء على البويهيين،
وساعد على ذلك مذهبهم الشيعى الذى بغضهم إلى أهل السنة من أهل بغداد.وينتهى العصر العباسى الثالث هاهنايتبع إن شاء الله ،،،، __________________
قال تعالى:{كَلا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ*وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ*وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ*وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ*إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ}
[سورة القيامة 26-30]
العصر العباسى الرابع
عصر نفوذ السلاجقة
(447 - 656هـ/ 1055 - 1258م)
فى عهد المقتدر(295-320هـ)أشرفت الدولة العباسية على الانحلال
والموت بظهورسلطان المستقلين فى أطراف الخلافة والثغور.
وبحسب القارئ أن يعدد هذه الدويلات التى أعلنت سلطانها فى أجزاء
الخلافة الإسلامية؛ليعلم ما وصلت إليه الحال من خلل وتفسخ وانحدار!
لقد قامت فى فارس دولة بنى بويه،
وبسط الإخشيديون سلطانهم على مصروسورية،
وأعلن الفاطميون سيادتهم فى إفريقية والمغرب،
وساد الأمويون فى إسبانيا،
واستقلّ بنو سامان فى خراسان وما وراء النهر،
والقرامطة بمنطقة البحرين وما حولها من ثغوروبلاد،
واستقرالديلم فى جُرجان وطبرستان،
وأعلن أحد أمراء العراق واسمه البريدى حكمه على البصرة وواسط.
وقامت دولة الحمدانيين فى الموصل ودياربنى ربيعة وقسم كبير
من أراضى العراق.
وكانت الدولة الإسلامية تغلى غليانًا فى جحيم الاضطرابات والدسائس!
كل منهم يحارب الآخر حربًا لا هوادة فيها،
ويحفرمقبرة الخلافة بهذا التفكك الذى أطمع البيزنطيين أن يعيدوا الكَرَّة
على بلاد الإسلام،فدخلوا كليكيا وسورية على يد القائد البيزنطى نقفور،
الذى اشتبك فى معارك دامية مع سيف الدولة على أبواب حلب مما سيأتى تفصيله.
وكانت البلاد تواجه خطرين:
خطر الانقسامات الداخلية،
وخطر هجمات الروم الخارجية.
ويشاء الله أن تتقد نيران هذه الاضطرابات،وقد عقمت الأرض عن أن تلد
منقذًا يقضى على هذه المطامع،وظلت الأمور بين أيدى خلفاء ضعاف أقصى
أمنياتهم من الحياة بعضهذه الأموال التى يدرها العمال عليهم؛لينعموا
مرفهين برغد الحياة.
أصل السلاجقة
من أولئك السلاجقة ؟
وكيف امتد نفوذهم حتى وصلوا إلى بغداد ؟
إنهم أتراك ينتسبون إلى جدهم سلجوق،
وينتمون إلى قبيلة تركية كبيرة تسمى"الُغزّ".
وقد نزلوا على نهر"سيحون"،واتصلوا بخدمة التركمان فى بلاد ما وراء النهر،
وراح جدهم"سلجوق"يتقدم فى خدمة ملك الترك حتى وصل إلى قيادة الجيش،
وكان بارع الحديث،كريمًا،فاستمال الناس إليه،وجمعهم مِن حوله،فانقادوا له
وأطاعوه.وخافت زوجة ملك الترك على زوجها منه،فأغرته بقتله،
وعرف"سلجوق"ما يدبِّر له فى الخفاء،
فجمع مَنْ حوله،وساربهم حتى مدينة"جَنَد"،وأقام هناك فى جوارالمسلمين ببلاد تركستان.ولما جاورسلجوق المسلمين،وتعرف على أخلاق الإسلام أعلن إسلامه
على مذهب أهل السنة،واعتنق الغُزُّالإسلام معه.
وعندئذ بدأ فى غزو"كفارالترك"،وكان ملكهم يأخد إتاوة من المسلمين فى
تلك الديار،فقطعها سلجوق وطرد نوابه.وكان لسلجوق من الأولاد أربعة هم:
أرسلان،وميكائيل،وموسى،ويونس.
انتصارات "طغرل"
ولقد أعد سلجوق أبناءه وأحفاده للغزو والفتح،فلقد استطاع أحد أحفاده وهو
"طغرل"أن يستولى على إقليم مرُو"خراسان"سنة 429هـ فى الشمال الشرقى
من فارس،ثم استولى على نيسابور432هـ،وعلى حَرَّان وطبرستان
عام 433هـ،وعلى خوارزم عام 434هـ، وأصبهان عام 438هـ/1047م.
واستمر"طغرل"يتقدم فى بلاد فارس والعراق،
وفى سنة 447هـ/ 1055م وقف طغرل على رأس جماعة من جنده الأتراك
أمام أبواب بغداد،كما وقف"بنو بويه"قبله،فسلمت له المدينة دون مقاومة،
واستقبل الخليفةُ طغرل زعيمَ السلاجقة كما استقبل أحمد أبا شجاع من قبل،
وراح الخليفة العباسى"القائم"يعترف بطغرل سلطانًا ويمنحه لقب
"ملك المشرق والمغرب".
نشر المذهب السنى
تدفقت القبائل التركية على العراق بعد انتصارطغرل،
ولقد سخَّرالسلاجقة مركزهم -إلى جانب الخلافة العباسية-لخدمة الإسلام،
فراحوا يعملون على توسيع سلطانه،ولم يكن هدفهم تقوية مركزالخليفة العباسي،
وإنما عمدوا إلى نشرالمذهب السنى الذى دانت به الخلافة العباسيَّة،
ومحاربة الشيعة الفاطميين،أملا فى إعادة وحدة الأمة ومواصلة نشرالإسلام
فى أرمينيا وآسيا الصغرى،ويحسب لهم أنهم احترموا منصب الخلافة،
وأجلُّوا الخلفاء واحترموهم،فلم يسيئوا إليهم،ولم يعتدوا عليهم كما كان
الأتراك فى العصور السابقة.
جيوش "ألب أرسلان"
وتولى"ألب أرسلان"ابن أخى طغرل القيادة العليا للجيوش السلجوقية
سنة456هـ/ 1063م،وجعل جيشه ثلاث شعب:
شعبة منه سارت إلى الشام،
وشعبة ثانية إلى بلاد العرب،
وكلتاهما تابعة للدولة الفاطمية الشيعية.
أما الشعبة الثالثة فقد كان هو رأسها واتجه بها نحو
"أرمينيا الصغرى"و"آسيا الصغرى"،
وهى"بلاد الروم"كما كان يسميها المؤرخون المسلمون.
موقعة ملاذكرد
واستولت الجيوش السلجوقية على"حلب"سنة 463هـ/ 1070م،
واستعادت"مكة"و"المدينة"بعد ذلك بقليل،بينما انتصر"ألب أرسلان"
على الإمبراطورالبيزنطى"رومانوس ديوجينيس"سنة 464هـ/ 1071م،
فى موقعة"ملاذكرد"فى الشمال الشرقى من بحيرة"فان"،وأباد معظم الجيش
البيزنطى حتى باتت آسيا الصغرى تحت سيطرته،فانتشرت جيوشه فيها إلى قرب"البسفور"و"الدردنيل"،ومن هذه الفتوح تأسست دولة سلاجقة الروم
فيما بعد.ويموت ألب أرسلان عام 465هـ/ 1072م مقتولا،
وقد قال وهو على فراش الموت:
"ما كنتُ قط فى وجه قصدتُه ولا عدّو أردتُه إلا توكلتُ على الله فى أمرى،
وطلبت منه نصرى،وأما فى هذه النوبة،فإنى أشرفت من تلّ عالٍ،فرأيت عسكرى
فى أجمل حال،فقلت أين من له قدرة مصارعتي،وقدرة معارضتي،وإنى أصل بهذا العسكر إلى آخرالصين،فخرجتْ علىَّ منيَّتى من الكمين".
وهكذا اتسعت رقعة الدولة السلجوقية عامًا بعد عام،وعلى الرغم من أن السلطة
الفعلية فى بغداد كانت لهم،فإنهم لم ينتقلوا من"أصفهان"إلى"بغداد"ويتخذوها
عاصمة لهم إلا سنة 484هـ/1091م،وكان ذلك فى عصرملكشاه السلجوقى.
نهضة علمية وعمرانية
وفى عهد ملكشاه بلغت الدولة السلجوقية أقصى عظمتها،فبنى ملكشاه المساجد،
وأنشأ الخانات(الفنادق)على طرق القوافل لنزول المسافرين،ومهد طرق الحجاج
إلى مكة،وزودها بالحراس.وأمر بتجميل بغداد وتنظيمها،وإقامة شبكة لتصريف
مياه الحمامات إلى غيرنهردجلة.وكان يساعده فى إدارة المملكة وزيره
"نظام الملك"،الذى ألف كتابًا فى"فن الحُكْم"يعرف باسم"سياسة نامة"،
وراح يشجع الشخصيات المشهورة فى العلوم والآداب،فتمتع"عمرالخيام"بعطفه،
وهو العالم الكبير،والشاعرالفارسى الشهير.وأنشأ المجامع العلمية فى بغداد،
وأشهرها المدرسة النظامية التى تم بناؤها سنة 460هـ/ 1067م.
وحسب هذه المدرسة التى أنشأها نظام الملك وزيرملكشاه السلجوقى
أن من تلاميذها السعدى مؤلف"بستان السعدى"،
وعماد الدين الأصفهانى،
وبهاء الدين بن شداد(الذى كتب سيرة صلاح الدين)،
وهما اللذان خدما صلاح الدين والدولة الأيوبية فى مصر،
وعبد الله بن تُومَرْت الذى أسس دولة الموحِّدين فى إفريقية والمغرب،
ومن أساتذتها أبو إسحاق الشيرازى مؤلف كتابى"المهذب"و"التنبيه"
فى الفقه الشافعى،والغزالى العالم المتصوف،وإذا كانت عظمة السلاجقة
قد استندت إلى ما قاموا به من أعمال،وإلى شخصية سلاطينها،فإن الدولة
قد أخذت فى التفكك بعد وفاة ملكشاه سنة 485هـ/ 1092م.
تفكك السلاجقة
ولم تظهر بعد ذلك من البيت السلجوقى شخصية قوية تملأ فراغ ملكشاه،
وراح أبناء البيت السلجوقى يقتسمون تلك المملكة الواسعة الأطراف،
ويستقل كل منهم بنصيبه منها.وفى ظل هذا التفكك ساد الضعف،
واضطربت الأحوال لكثرة الحروب الداخلية إلى أن زال نفوذها سنة
590هـ/1194م،وهكذا الأيام،تذهب دولة لتأتى أخرى.
فقد حلت محلَ دولِة السلاجقة دولة"الأتابكة"بالعراق وفارس،
كما حلت دولة الأتراك العثمانيين محل سلاجقة الروم بآسيا الصغرى
سنة700هـ/1300م.
كلما ذكرنا"سلاجقة العراق وكردستان"الذين حكموا من سنة511هـ/ 1118م
إلى سنة 590هـ/ 1194م،لا يمكن أن ننسى السلاجقة العظام الذين كانوا
يحكمون فارس والأهوازوالرى وخراسان والجبل من
سنة(429-552هـ/1038-1060م) من أسرة خوارزم شاه.
كما أننا لا ننسى"سلاجقة الشام"الذين حكموا حلب ودمشق من سنة
(487-511هـ/1094-1108م)،وخلفهم البوريون والأرتقيون
(من الأتابكيين).وإلى جانب هؤلاء،"سلاجقة كرمان"الذين حكموا من سنة(433-583هـ/1042-1187م) وخلفهم التركمان الغز.
ويبقى سلاجقة الروم الذين حكموا آسيا الصغرى من سنة
(470-700هـ/1078- 1300م)وخلفهم المغول والأتراك وغيرهم.
موقف السلاجقة من الإسلام
كان الفرق واضحًا بين معاملة البويهيين للخلفاء العباسيين ومعاملة السلاجقة لهم !
فعلى العكس من معاملة البويهيين للخلفاء العباسيين أظهرالسلاجقة الاحترام
الكامل،والأدب الجم،والمعاملة الحسنة الطيبة للخلفاء العباسيين،
وكانوا صورة للإنسان الفطرى الذى هذبه الإسلام،
وليس أدل على ذلك من قول"طُغْرُلْبِك"حين دخل على الخليفة"القائم"
سنة 449هـ/ 1057م:
"أنا خادم أميرالمؤمنين،ومتصرف على أمره ونهيه،ومتشرف بما أهّلنى له،
واستخدمنى فيه،ومن الله أستمد المعونة والتوفيق".وهنا ألبسه الخليفة"الخلع"
فما كان من"طغرلبك"إلا أن قَبَّل يد الخليفة أكثرمن مرة.وراح الخليفة يوصيه
بتقوى الله والعدل فى الرعية،وزادت أواصرالقربى بينهم،فقد تزوج الخليفة
"خديجة"ابنة أخى السلطان"طغرلبك"
بينما تزوج طغرلبك من ابنة الخليفة القائم سنة 454هـ/ 1062م.
وإذا كانت السلطة الفعلية قد أصبحت فى يد السلاجقة فإن الاحترام صاحبَ
هذه السلطة.وقد حاول الخلفاء استعادة سلطتهم الفعلية إلى جانب زعامتهم الروحية،فتمكنوا من ذلك أحيانًا،وساعد على ذلك اختلاف السلاجقة على أنفسهم
بعد وفاة ملكشاه سنة485هـ/1092م،وتعد أقوى هذه المحاولات محاولة الخليفة الناصرلدين الله،كما أن خلافته تعد أطول مدة فى تاريخ الخلفاء العباسيين.
السلاجقة والباطنية
من يُقلب صفحات التاريخ فى الدولة العباسية يجد أن هناك فروقًا كثيرة
ودعوات باطلة فاسدة،وأفكارًاغريبة وعقائد ضالة،كانت وراء الفتن والاضطراب والحروب فى المجتمع الإسلامى آنذاك.
وقد كانت"الباطنية"مصدرخطركبيرعلى الإسلام والمسلمين منذ أن وجدت،
فكانت بعقائدها الباطلة وفتنها الماكرة لونًا جديدًا من الأفكارالضالة للنيل من الإسلام والمسلمين،وذلك بالتستر وراء حب"آل البيت"،والعمل على إفساد عقيدة الإسلام وأركانه وشريعته.ومن يقرأ تاريخ الباطنية يتبين له أنها تضرب بجذورها إلى
"عبد الله بن سبأ"،وأنها تشمل خليطًا من أصول دعوات فاسدة تحتويها،منها:
القرامطة،
والدروز،
وإخوان الصفا،
والإسماعيلية،
وغيرها من مذاهب باطلة ظهرت فى تاريخنا الإسلامى.
وفى عهد ملكشاه وفى سنة 483هـ/1090م راح"الحسن بن الصباح"
يدعو الناس إلى التشيّع والزندقة،واستولى على قلعة"الموت"فى نواحى قزوين،
وزاد خطره،وكثرأتباعه،فأرسل إليه نظام الملك مَنْ يحاصرقلعته،ولكنه بعث
من قام باغتيال نظام الملك،وفك الحصار عن القلعة.
وتمرالسنون بعد وفاة ملكشاه،وتقع معارك مع الباطنية يقوم بها أبناؤه وأحفاده
من بعده،ينجحون فيها بفضل الله فى تقليم أظافرهم الشرسة،ولو تتبعنا اللقاءات
الحربية بين الباطنيةوالزنادقة وبين المسلمين لطال ذلك وامتد،ولكن الملاحظ
أن"الباطنية"لم يكتفوا بقتل القواد والعلماءوالقضاة فى بلاد فارس وما وراء النهر،
بل كانت منهم باطنية ببلاد الشام لعبوا الدورنفسه مع حكام المسلمين،وقادتهم
وفقهائهم وعلمائهم،فقتلوا منهم عددًا كبيرًا.
ويشهد الله،كم كانت الباطنية خِنْجرًا مسمومًا فى ظهرقادة الإسلام،
وزعماء المسلمين،وفقهائهم،وحسبهم تلك الأفكارالمنحرفة التى تدعوإلى:
نفى صفات الله،
وإبطال النبوة والعبادات،
وإنكار البعث،
وإبطال نسبة القرآن إلى الله،
وتأويل أصول الدين تأويلاً قاطعًا يخرج بالواحد منهم إلى الكفر،
وغير ذلك من الأفكار الضالة المضلة.
__________________
قال تعالى:{كَلا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ*وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ*وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ*وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ*إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ}
[سورة القيامة 26-30]
[size=21]المغول وسقوط الخلافةمن هم المغول؟كيف كان ظهورهم الهمجى على صفحة التاريخ؟فى عهد مَنْ مِن الخلفاء كانوا؟هذه سنة الحياة فى الناس والأشياء،
فبعد أن ظلت
بغداد عاصمة ل
بنى العباس على مدى
خمسة قرون راحت تتهاوى
تحت ضربات المغول والتتار،وتسلم الراية لهم،ليملئوا الدنيا قتلا وتشريدًا ونهبًا
وسلبًا وفسادًا!
أصل المغولإنهم
قبائل تركية آسيوية كانت تسكن فى
الجزء الشرقى من"
بلاد التركستان"
وما يليها
شرقًا من"
غرب بلاد الصين"،وهم بدو رعاة يدينون بالوثنية،
ولا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر،ويبحثون عن الرزق أينما وجد،وينتقلون وراءه
حيث كان،ويقتتلون من أجل الحصول عليه،نساؤهم فى هذا كرجالهم سواء بسواء.
المغول والتتاروكانت بين
"قبائل المغول"و
"قبائل التتار"أواصرنسب وجوار،
ولكن على الرغم من هذا،فإن محاولة الحصول على الرزق كانت تدفعهم
إلى التنازع والتناحروالتقاتل،وتسفرالمواجهة بينها عن انتصار
"التتار"وهزيمة
"المغول"،ويعود
المغول فينتصرون على
"التتار"ولكن الزعيم التترى
"جنكيز خان"جمع شمل هذه القبائل لتصبح النقطة السوداء
فى التاريخ الإنسانى بسبب ما أنزلوه به من الكوارث التى لم يحدث مثلها.
انتصارات جنكيز خانفكيف كان هذا الذى حدث؟وما قصة خروج التتار إلى بلاد الإسلام والمسلمين؟وكيف تهاوت الخلافة على أيديهم بهذه الصورة المهينة؟!إن
"ابن الأثير"المؤرخ الكبيرحين أراد أن يسجل تلك الأحداث فى كتابه
"الكامل" تمنى أن يكون قد مات قبل أن يسمع عنها أو يراها،فيقول:
"لقد بقيت عدة سنين مُعْرِضًا عن ذكرهذه الحادثة استعظامًا بها،
كارهًا لذكرها،فأنا أقدم رِجْلا وأؤخرأخرى،
فمن الذى يسهل عليه أن يكتب نعى الإسلام والمسلمين،
ومن الذى يهون عليه ذكر ذلك،فيا ليت أمى لم تلدنى،
ويا ليتنى مت قبل هذا وكنت نسيًا منسيّا،
إلا أَنى حثنى جماعة من الأصدقاء على تسطيرها،وأنا متوقف،
ثم رأيت أنَّ ترك ذلك لا يجدى نفعًا،
فنقول:هذا الفعل يتضمن الحادثة العظمى والمصيبة الكبرى التى عقمت
الأيام والليالى عن مثلها،عمت الخلائق،وخصت المسلمين،
فلو قال قائل:إن العالم منذ خلق الله-سبحانه وتعالى-آدم إلى الآن
لم يُبتلَ بمثلها كان صادقًا،فإن التواريخ لم تتضمن ما يقاربها ولا ما يدانيها".
وهكذا فعندما تمكن
"جنكيز خان"من إخضاع القبائل المجاورة له فى دهاء واقتدار محطِّمًا خصومه مستوليًا على كل ما يملكون،مُدَعِّمًا جيشه بالمحاربين راح يتطلع إلى
"إمبراطورية الصين"التى كانت شرقى بلاده.
واستطاع أن يستولى على معظم أجزاء
"الإمبراطورية الصينية"المتداعية سنة
612هـ/1215م.
واجتمعت كل ملل الكفرمن الصليبيين والبوذيين والرافضة من أهل الشيعة.
لقد ظنوا فى هؤلاء الأشرارمن المغول والتتارالمعاول القادرة على هدم الإسلام وحضارته.
اجتماع الصليبيين والمغوللقد كان
الصليبيون يحتلون
بلاد الشام،وكان المجاهدون المسلمون قد أنزلوا بهم فى عهد
عماد الدين زنكى،و
نورالدين محمود،و
صلاح الدين الأيوبى هزائم ساحقة،
ولولا ضعف المسلمين بعد موت
صلاح الدين لكانت نهاية
الصليبيين ب
الشام قد تحققت.. ولكن
الصليبيين ظلوا يعانون الضعف البالغ ويصمدون رغم ذلك فى مواجهة
المسلمين حتى ظهرت قوة
المغول،وتأكَّد عداؤهم للإسلام وما أنزلوه بأهله من هزائم ومصائب فى
بلاد خراسان و
فارس على أنقاض دولة السلاجقة هناك،فاجتمعت مصالح الفريقين
الصليبيين و
المغول فى عداء المسلمين وحربهم،وبدأت الاتصالات بينهم لتنسيق الجهود فى هذا الصراع.
وأعمل
الصليبيون حيلهم الخبيثة،فعرضوا على
التتارالنصرانية،فتنصَّرمنهم
عدد كبير، وجعلوا يزوجونهم من النصرانيات الحاقدات على الإسلام
وأهله،فاشتعل الحقد الصليبى والبوذى فى الهمجية الشرسة،وانطلقت جحافل
التتارتدمرالخيرفى كل مكان.
وإذا كان ضعف الدول يغرى بالعدوان عليها،فإن
"جنكيز خان"قررأن يتجه إلى
"تركستان"،وراح يستولى على المدن والعواصم واحدة بعد أخرى حتى استولى
على جميع تلك البلاد،نذكرمنها
"كاشغر"و
"بلا سفون".
وراح يفكرمن جديد:إن
"إمبراطورية الخطا"غربى بلاده تقع حائلا بينه وبين
"المملكة الخوارزمية" فما العمل؟ وكيف السبيل إلى مملكة خوارزم، ومن بعدها كل بلاد المسلمين؟راح يستولى على أجزاء من
"ملك الخطا"ويقترب بذلك من
"المملكة الخوارزمية المسلمة".
وكان لابد له من مهاجمتها بما لديه من قوة ساحقة ماحقة ليصنع ملكًا على أنقاض الحضارات وأشلاء الإنسانية،وهكذا كانت الأحلام تراوده!
مواجهة المسلمين للتتارمن هنا بدأت اللقاءات الدامية بين التتاروالمسلمين،فلقد أرسل"جنكيز خان"خطابًا
إلى السلطان
"علاء الدين محمد خوارزم شاه"يتباهى فيه بقوته،ويحيطه علمًا بأنه فى الطريق إليه للاستيلاء على مملكته.وكان لابد من أن يبادر
"خوارزم شاه"بالخروج لملاقاة
التتارفى عقردارهم.ويصل
"خوارزم شاه"إلى بيوتهم فلا يجد فيها إلا النساء والصبيان.
ويبعث بمن يأتيه بأخبارهم فيعلم أنهم خرجوا لمحاربة
"ملك من ملوك الترك"،
وهزموه،وغنموا أمواله،وهاهم أولاء فى طريق العودة.
وعلى الطريق التقى الجيشان:جيش
"جنكيز خان"،وجيش
"خوارزم شاه"واستمرالقتال ثلاثة أيام دون أن يحقق أحدهما نصرًا على الآخر،وقد قتل من المسلمين فى هذه الوقعة عشرون ألفًا،فعاد
"جنكيز خان"إلى بلاده،وعاد
"خوارزم شاه"هو الآخر إلى بلاده،وكلاهما ينتظراللقاء الحاسم،وأصدر
"خوارزم شاه" أوامره إلى أهل
"بخارى" و
"سمرقند"بالاستعداد لحرب قادمة،وعليهم أن يجمعوا الذخائر،ويستعدوا لحصارقد يطول،وعاد هو إلى
خراسان،ومرت خمسة أشهر،وفجأة خرج
التتارإلى أهل
بخارى مقاتلين محاصرين،ودارت بين الفريقين معركة شرسة استمرت ثلاثة أيام،
سقطت بعدها
"بخارى"فى أيدى
التتارأعداء الإسلام والمسلمين.
فظاعة التتاروراح
التتاريرتكبون جرائم يشيب لها الولدان،وراحوا يقتلون الفقهاء والعلماء،
ويسبون النساء،وينتهكون أعراضهن أمام أهليهن،وقد ثارلذلك كثيرمن المسلمين،
وكانوا يفضلون الموت على رؤية هذا الجرم الفاحش والسكوت عليه،
فكان كثيرمن المسلمين يقاتلون
التتارحتى الموت،ومن كان يسكت على ذلك فإنه
رغم سكوته يمثل به ويعذب بأشد أنواع العذاب،ويلقى فى النار.
ومن الذين ثاروا لذلك
الإمام الفقيه ركن الدين إمام زاده وولده،فإنهما لما رأيا
ما يفعل بالحرم قاتلا حتى قتلا،وكذلك فعل
القاضى صدرالدين خان.
وأخذوا يشردون الأبرياء،ويهدمون المساجد والمدارس،ويحرقون كل المصاحف
التى وجدوها فى
مساجد بخارى.
وأخذ
التتاربعض الأسرى من
"بخارى"وعلى رأسهم واليها من قبل
خوارزم شاه فى أقبح صورة إلى
سمرقند،ومن لم يقدرعلى السيرمعهم قتلوه.
ولما وصلوا إلى
"سمرقند"كانت هناك مفاجأة،لقد وجدوا عددًا كبيرًا من أهلها
ومعهم خمسون ألفا من
الخوارزمية قد استعدوا لمواجهة
التتار.
ولكن
التتارعمدوا إلى المكروالخديعة،للتغلب على أهل
سمرقند ومن معهم من
الخوارزميين،لقد أظهروا الخوف منهم،وراحوا يتراجعون أمامهم،وراح المسلمون يتقدمون وراءهم ويتابعونهم،وهنا قام جيش
التتاربمحاصرة المسلمين والقضاء عليهم وإبادتهم،فلم يسلم منهم أحد،واستشهدوا جميعًا،وكانوا سبعين ألفًا.
ولم يكتف
التتاربهذا،بل تقدموا ودخلوا
"سمرقند"،يقتلون من بقى من أهلها،وفعلوا ب
سمرقند ما فعلوه ب
بخارى من نهب وسلب،وقتل وسبى،وحرق للمساجد،
وهتك لأعراض المسلمات!وكان ذلك فى عام 617 هـ.
وفاة خوارزم شاهويصدر
"جنكيز خان"قائد التتارأوامره إلى رجاله أن يأتوه برأس
"خوارزم شاه"فعبروا
النهرالفاصل بين
سمرقند و
خراسان،ولكنهم لم يظفروا به،ولم يمكنهم الله منه،
فقد صعدت روحه إلى باريها ولقى ربه سنة 617هـ/1220م،بعد حياة حافلة بخدمة الإسلام والمسلمين،وكان ملكه ممتدّا
من حدود العراق إلى
تركستان إلى جانب
"غزنة" و
بعض بلاد الهند،و
سجستان،و
كِرمان،و
طبرسان،و
جرجان،و
بلاد الجبل،و
خراسان، و
بعض فارس،و
الخطا.
لقد كان
"خوارزم شاه"عالمًا فقيهًا،معظِّما لأهل الدين،مكرّمًا لهم،مقبلا عليهم،
كما كان يعمل للآخرة،فلم يركن إلى الدنيا ويغنمها،ولم يقبل على الشهوات أو
ينهمك فى الملذَّات.رحمه الله رحمة واسعة،وجزاه عن الإسلام خيرالجزاء.
زحف التتارلم يتوقف
"التتار"عند هذا الحد من العدوان على بلاد الإ